متابعه : محمد سعيد عماره
دائما نلقي باللوم على موظف الوحدة المحلية او الضرائب او الكهرباء بأنه فاسد، لانه تلقى رشوة من مواطن!!! وهذا صحيح لأنه كان ينبغي عليه أن يطبق القانون على المواطن وما يترتب عليه من جزاءات وضرر للمواطن!!!
ولكن دعونا نتوقف مع المواطن، الذي هو في رأيي بيت الداء…وعندما اتحدث عن المواطن فانا اتحدث عن المحامي والطبيب والمهندس، فكل من هؤلاء يمارس مهنة حرة مثلا.
أي من هؤلاء يطبق القانون على نفسه؟! او يلتزم بما يقتضيه القانون او بما يفرضه عليه من واجبات؟!
لنأخذ الطبيب في عيادته الخاصة، فهذا الطبيب يخضع للضريبة على أرباح المهن الحرة…هذه الضريبة تحصلها الدوله من الطبيب والمحامي والمهندس بهدف إنشاء مدارس وطرق ومستشفيات للمعدمين…وإذا لم تتمكن الدوله من تحصيل تلك الضريبة، فكيف يمكنها تقديم الخدمات العامه المشار اليها؟!
القانون يلزم الطبيب مثلا بإمساك دفاتر والاحتفاظ بايصالات رسمية لجميع الحالات التي يتم الكشف عليها يوميا او العمليات التي اجراها…بحيث لا يدفع المريض مقابل الكشف الا بايصال رسمي،
يتم تجميع تلك الايصالات سنويا وحساب قيمتها، وهذا هو الربح الاجمالي للطبيب عن السنه، يقدم الطبيب للإدارة الضريبية ما يفيد بانه تكلف خلال ذات العام مبلغ معين للكهرباء والاثاث والاجهزة بقيمة كذا،
وبناء على تلك البيانات الواضحة يقوم مامور الضرائب باستقطاع تلك التكاليف من الربح الاجمالي، يتبقى الربح الصافي وليكن مليون جنيه، تحصل الدولة منه وليكن 20٪ فتحصل الدولة على 200 الف جنيه ضرائب وتترك للطبيب 800 الف جنيه حلاله!!!
السؤال الصريح والمؤلم هنا…جميعنا دخلنا وندخل العيادات الخاصة…هل يتذكر أي منا طبيبا سلمه إيصال رسمي بعد دفع الكشف؟!
لماذا لا يلتزم الطبيب بتقديم إيصال بقيمة الكشف؟! لماذا لا يلتزم المحامي بتقديم إيصال رسمي بقيمة الأتعاب قِس على ذلك باقي المهن!!!
اذا الهدف واضح وهو تضليل مأمور الضرائب والا فما هو التفسير؟!….القانون يلزمني ويلزمك بان تسلم الإيصال فور الحصول على الأتعاب او قيمة الكشف!!! فلما لا تفعل؟! وبماذا نصف هذا السلوك؟! اذا من الفاسد؟!
طبيعي بعد أن قصدت انا كمواطن (طبيب او مهندس او محامي) تضليل مؤسسات الدولة حتى لا تعرف حقيقة دخلي او ارباحي، سيكون هناك مجال للمساومة بين مسؤل الضرائب وبيني كمواطن…وبعد ذلك نسلط كل غصبنا على الموظف الفاسد!!!
أنا لا أعفي هذا الموظف الفاسد الذي كان يتوجب عليه تنفيذ القانون ولكن ماذا عني وعنك أيها المواطن؟! ان النفس لأَمَّارَة بالسوء ونحن من يوقظ هذا السوء الكامن داخل كل منا فنحن بشر!!
للاسف نحن من وفر عن قصد البيئة المغذية والحاضنة للفساد…عندما أصررت على عدم إعطاء فاتورة او إيصال بالكشف او الأتعاب فأنت للاسف فاسد…وبالتالي انا وانت من فتح الباب لهذا الموظف المرتشي للمساومة ولفتح الأدراج!!!
ولكن لو كنت حقا أتحرى الحلال في دخلي وفِي قوت أولادي، لسلمت المريض إيصال بالكشف فور تلقي المال او فاتورة بالأتعاب كمحامي او مهندس.
ففي غياب الفواتير مثلا او الايصالات سيدعي الطبيب امام مامور الضرائب بان كشفه 50 جنيه وهو في الحقيقة يحصل 300 من المريض، فمن يدري؟! كما سيدعي ان متوسط عدد المرضى في الْيَوْمَ 5 وهم في الحقيقة 50 مريض فمن يدري؟!!!
ولهذا اذا دققنا النظر سندرك حقيقة مؤلمة وهي اننا جميعا فاسدون بشكل او بآخر، عندما نتقاعس عمدا عن تنفيذ ما يتوجب علينا قانونا فنحن بذلك نفتح أبوابا للفساد…
قِس على اصحاب المهن الحرة، فسادنا في مجال البناء، بان ابني ادوار مخالفة وانا اعرف جيدا ان تلك الأدوار مخالفة!!!! اذا انا أمهد الطريق لافساد موظف نظيف، او لان يساومني موظف فاسد.!!!
ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، تخيل لو انك كطبيب تتحرى الحلال، حتما ستلتزم بالإيصالات والاوراق السليمه، وهنا لن يفتح موظف الضرائب فمه معك، وبالتالي اغلقت بابا للفساد…قِس على ذلك باقي المهن.
اذا المطلوب، من كل مواطن ان يتحرى الحلال اولا وانا يلتزم بما يلزمه القانون بِه عليه الا يكون هو صانع للفساد “لانه فاسد”…للاسف الحقيقة مؤلمة!
وفِي نفس الوقت مطلوب إنفاذ القانون وتشديد العقوبات على كل طبيب او محامي او مهندس لا يتقيد بما يفرضه عليه القانون مما ذكرنا…من خلال التفتيش والمتابعة المستمرة والشفافة سنضمن حماية للوطن وللمواطن…
اذا، ما ينقصنا هو الضمير، والاهم غياب التطبيق الصارم للقانون…فمن يخل يمكن منحه فرصه او اثنين وبعد ذلك يكون الغلق ورفعه من قائمة المشتغلين بالمهنة….
على المواطن هو الاخر دور، وهو ان يصر على طلب الإيصال من الطبيب او المحامي او المهندس لنساعد الدولة في تقديم الخدمات العامة ، لابد وأن تنشط جمعيات المجتمع المدني هي الاخرى لدعم اجهزة الدولة…وبالتالي لا يامن احدا العقاب.
اذا، الفساد مرض، له اسبابه ومسبباته وتداعياته الكارثية، جميعنا شركاء فيه بشكل او بآخر، فليؤدي كل منا ما عليه لنضمن الحلال لأولادنا، وفِي نفس الوقت التقدم لأوطاننا وفِي النهاية نحاصر الفساد والفاسدين…ولا ينبغي ان يتذرع اي منا باي مبرر…فليؤدي كل منا ما عليه اولا…دمتم بالف خير.
