تطاوين : القصور الصحراويّة مورث شعبي عالمي منسي تحت طيات الزمن…..

جريدة أخبار العالم ـ بقلم محمد السعيدي – مكتب تونس

عندما يشتاق المكان إلى زواره تجد قصور البادية شامختا فوق هضاب تطاوين الأبية و إن هزك حنين التراث فسأل أطلال المجد الأثير…. رغم مرور أكثر من 300 سنة/ بعد ربع قرن لازلت هذه القصور شاهدة على تطور فن العمارة الذي شهدته المنطقة في الفترة التاريخية الحديثة ….
عند دخولنا هذه الرحلة داخل القصور التي تتوزع على كامل مناطق تطاوين رفقت المختص في التراث و رئيس جمعية صيانة التراث بمعتمدية غمراسن السيد الحبيب علجان أكد لنا أن تشيد أول هذه القصور كان سنة 12 ميلاديا، لكن القصور الصامدة تعود إلى 3000 سنة و أقدمها هو “القصر القديم” بمنطقة المزطورية التي تبعد تقريبا حوالي 15 كلم على مدينة تطاوين و بمزيد الإستفسار عن تاريخ و نجاعة هذه القصور الشامخة و الضاربة في عمق التاريخ أفادنا أحد مؤرخي الجهة أن هذه القصور كانت لها عديد الوظائف من بين أهمها تخزين المؤنة حيث يتقاسم عائلات القبيلة غرف القصر و يضعون فيها محاصيلهم السنوية من قمح و شعير و تمور و زيت الزيتون و غير ذلك من خيرات هذه الأرض الطيبة. وقد ساهمت هذه القصور الصحراويّة في إستقرار القبائل العربية بعد ما ألفو الترحال بحثا عن أراضي الرعي، فهذه القصور أبرز دليل على النظام القبالي الذي كان يغزو المنطقة و تونس ككل قبل خمسينيات القرن الماضي، فوضعوا لكل قصر اسم يعود إلى نسب عائلي و يستوحى إسم القصر من نسب العائلة الأكثر ملكا أو المالكة في تلك الفترة.
تجاوز عدد القصور الصحراويّة 1500 قصرا تختلف في ما بينها من حيث الشكل الهندسي أو من حيث المساحة و عدد الغرف ليصل في البعض منها إلى 300 غرفة
و يضم عديد الطوابق يصل في بعضها إلى خمسة طوابق….
و بمزيد البحث و التعمق في تاريخ هذه المنشآت التراثية وجدنا أن هذه القصور لم تستعمل فقط للحزن إنما كانت تقام في بعضها الأسواق الأسبوعية إلى جانب استعمالها لأداء شرائع الإسلام التي أولف في أغلبها أن يكون الجامع منفصلا عن القصر إلا أننا بمتابعة هذا الموضوع وجدنا قصر بني بركة الذي شيد داخله جامع لأداء الصلاة على خلاف بقية القصور في الجهة إلى جانب المساجد المحيطة بالقصور فإننا نجد وجوبا المعاصر التقليدية لعصر الزيتون كذلك عدد كبير من الزوايا و مقامات الأولياء الصالحين في ظل الوجود الكبير للاباضية كل هذه الحقائق كشفتها الأبحاث و الحفريات منذ سنتين تقريبا و قد سجلت و دونت بعض هذه المعلومات في كتاب ألّـفه الدكتور عبد الحميد البركاوي عنوانه “تطاوين وادي زنداق “.
ليس بعيدا عن مركز مدينة تطاوين إلا 200 كلم نجد مدينة غمراسن التي عرفت بتحصين قصورها و التي شيدت على سفوح الجبال و المرتفعات لنتذكر منها قصر المرابطين و قصر بن غدير و قصر الرصفة و قصر الحدادة و قصر بوغالي …..
التي مازلت إلى يومنا هذا شامختا، ضاربة بدقة معمارها….
لقد نجحنا في تشيد الكثير من القصور و لكن في المقابل اخفقنا اخفاقا كبيرا في حماية قصورنا الاثرية و التي طالتها أيدي الإنتهاك لتصبح مرتع التلوث و الفضلات ليس هذا فقط بل و صلت إلى حد التخريب و النهب في بعض القصور و لتستغل كأراضي للبناء الحديث في قلب الموقع الأثري و التعدي على حرمة المكان مع غياب الأطراف المسؤولة.
وهنا نبقى عاجزين عن التدخل لحماية مثل هذه المواقع لقلة الامكانيات و غياب الارادة القوية اللازمة ..
قصور صحراوية بمثابة الكنوز الضاربة في أعماق التاريخ تستوجب الحماية و العناية حتى تكون مزارا وقبلة السيّاح من شتّى أصقاع العالم…

Related posts