المعرفة والحكمة ،،، بين زخم الحقائق وهدوء البصير
بقلم/ سيد علي
البداية: حين يلتقي النور بالضوء
في أحد الأيام، وقف طالبان أمام معلمٍ حكيم.
سأل الأول: كيف أكتسب المعرفة؟
فأعطاه كتابًا ثقيلًا وقال: هذا كنز المعلومات
ثم سأله الثاني: وكيف أكون حكيمًا؟
فأطفأ المصباح وقال:
الآن، كيف ستجد الباب في الظلام؟
المعرفة هي أن تعرف أن الظلام يخلو من الضوء. أما الحكمة، فهي أن تدرك أن الظلمة قد تكون درسًا، أو اختبارًا، أو حتى فرصةً لاكتشاف نورٍ بداخلك.
المعرفة
سيفٌ ذو حدين
تخيل معي طبيبًا يعرف كل التفاصيل الدقيقة عن الجراحة، لكنه يضع المشرط في يدٍ مرتعشة.
إنه العالم بلا حكمة ، كمن يملك خريطة الكنز لكنه يغرق في البحر قبل الوصول إليه.
في الحرب العالمية الثانية، كان العلماء يعرفون كيف يُحولون الذرة إلى قنبلة، لكن الحكمة كانت غائبة. النتيجة؟
هيروشيما تحولت إلى رماد.
المعرفة هنا كانت كالسكين في يد طفلٍ غاضب.
لكن هناك جانبًا مضيئًا: المعرفة تنقذ الأرواح حين تُستخدم بحكمة.
الطبيب الذي يعرف تشخيص المرض ويختار الكلمات المناسبة لطمأنة المريض، هو طبيبٌ جمع بين العلم والإنسانية.
الحكمة
الفن الخفي لقراءة ما بين السطور
الحكيم قد لا يعرف كل شيء، لكنه يعرف ماذا يفعل بما يعرف.
في إحدى القرى الفقيرة، كان هناك رجلٌ أمي لا يقرأ ولا يكتب، لكنه يحل المشكلات المعقدة بكلمات بسيطة ، ذات يوم، تشاجر تاجران أمامه ؛ الأول يصر على أن الآخر سرق منه مالًا، والثاني ينفي.
ما فعله الحكيم؟
أمرهما أن يضعا أموالهما في الماء! فظهر زيتٌ عالق بمال السارق (لأنه كان يعمل ببيع الزيت). لم تكن لديه معرفة بالقانون، لكنه عرف طبيعة الناس.
چذالحكمة هي أن ترى العالم ليس كما هو ، بل كما يجب أن يكون.
الاصطدام الأبدي
متى تختار المعرفة؟ ومتى تختار الحكمة؟
في الأزمات المعرفة تخبرك كيف تُطفئ الحريق، لكن الحكمة هي التي تمنعك من إشعاله أساسًا.
في العلاقات المعرفة تعلمك فنون الحوار، أما الحكمة فتعلمك متى تصمت.
في القيادة القائد العارف يملأ عقول الناس بالأرقام، أما الحكيم فيملأ قلوبهم بالثقة.
هل يمكن أن تجتمع المعرفة والحكمة في إنسانٍ واحد؟
نعم، لكن الثمن باهظ.
المعرفة تأتي بالدراسة، والحكمة تأتي بالسقوط ثم النهوض.
الفيلسوف سقراط قالها باختصار:
“كل ما أعرفه هو أني لا أعرف شيئًا.”
هذه العبارة تحمل أعلى درجات المعرفة (التواضع العلمي) وأعمق مستويات الحكمة (الاعتراف بالجهل).
العالم يحتاج إلى العارفين لبناء الحضارات، وإلى الحكماء لإنقاذها من نفسها.
دمتم بخير
سيد علي