يحي خليفه يكتب آفة العصر ضرورة حياتية أم ظاهرة مرضية؟

آفة العصر ضرورة حياتية أم ظاهرة مرضية؟

يحي خليفه يكتب

                     آفة العصر ضرورة حياتية أم ظاهرة مرضية؟

 

النفاق صفة قديمة للبشر منذ نشأت التجمعات السكانية الكبيرة التي تحولت لمجتمعات ومنذ كان حاكم ومحكوم ,قوي وضعيف , رئيس ومرؤوس فكان النفاق حاجة لتجنب أذى الاخرين ومن اجل الحظوة التي ترفع المنزلة وتهب بعض المزايا لدى اصحاب النفوذ، والمنافق في الشرع من يظهر الاسلام ويبطن الكفر وقياسا عليه فان المصطلح الشائع عن المنافق اجتماعيا بانه صاحب الوجهين بينما الادق انه متلون الوجه كالحرباء التي يأخذ جلدها ما يتناسب مع محيطها من الوان لان بعض البشر لديه القدرة ان يرسم على وجهه ما يشاء من تعابير ويقلب ملامحه من النقيض الى النقيض اسرع من بعض الحيوانات التي تغير مظهرها من اجل البقاء.

 

النفاق الاجتماعي كمفهوم لم يتغير منذ اقدم العصور ولكن مع زيادة الكثافات السكانية ونقص الوظائف وضيق سبل العيش والنظرة المادية الصرفة للحياة والرغبة في تقليد الغير على مستوى الاشخاص العاديين نتيجة الارتباطات المختلفة للفرد وتشعب علاقاته الاجتماعية , استحدثت اشكال جديدة لهذه الظاهرة واستشرت بين الناس وهي المجاملات الزائدة عن حدها والتملق لمن لا يستحق والمديح المبالغ به لكل ما يفعل ولو ما سخف من الاعمال وحب الظهور بحلة مصطنعة بصور لا تعبر عن الواقع, وقلة الاصدقاء او انعدامهم وقت الحاجة, والكذب الصريح الذي لا حياء فيه, وقول الزور وبهتان الاخر, والتنازلات السهلة عن ابسط المبادئ, وتغيير الولاءات في طرفة عين, وغير ذلك من مظاهر الانحطاط الاخلاقي من اجل تحقيق المنافع والدرجات الاجتماعية والكسب المادي والوجاهة الزائفة ولو على حساب ظلم الاخرين بل وحتى سحقهم عند البعض ممن مات عندهم ما يسمى الضمير.

 

قد يجادل البعض بان النفاق يصبح احيانا ضرورة اجتماعية لا غنى عنها ليس من اجل أي غرض في الدنيا سوى الحفاظ على لقمة العيش عند رئيس جائر يعشق المديح الكاذب والمداهنة والهدايا وزائف المجاملات , فان كان ذلك ليس فيه ظلم للغير وانتقاص لحقوقهم ,عندئذ فليستفتي الانسان قلبه في ذلك, والله وحده العالم بالسرائر ,ويغفر لمن يشاء، كما ان حبل الكذب قصير فكذلك النفاق سوف يكشف امره ولو بعد حين ومن واجب والانسان المخلص لربه الصادق مع نفسه النأي بنفسه عن هذه النقيصة التي تجعل من الانسان حقيرا حتى امام نفسه في لحظة صفاء, ما استطاع لذلك سبيلا وإن أتى ذلك على حساب بعضا من المكاسب وقطع بعض العلاقات فلا بأس بشيء من العزلة الاجتماعية ان كان لا بد من دفع هذا الثمن من اجل سلامة القلب وعفة اللسان.

 

ان كان النفاق خصلة دنيئة عند الفرد من عامة الناس فهي اشد قبحا عند مسؤول رفيع المستوى او مستشار لحاكم لان عواقبها وخيمة على شعوب وامم وليس فرد اوجماعات ومن الظواهر المستحدثة للنفاق مع تقدم وسائل الاتصال النفاق الاعلامي بين الدول ونحن كشعب من اشد الناس معاناة من هذه الافة المقيته لان خصمنا وداعمه الاكبر لا يكاد يوجد في هذا العالم من لا ينافقهم ويدين لهم بالولاء ان لم يكن ذلك صريحا بالعلن فهم يقومون به بالخفاء.

 

آفة العصر ضرورة حياتية أم ظاهرة مرضية؟

Related posts