منذ وعيي على هذه الدنيا وانا اسمع عن نظريات المؤامرة التي يحيكها أعداء الخارج والداخل لنا كشعوب عربية وأمة اسلامية والمنعطفات التاريخية الوشيكة الوقوع والتي ستنقلب فيها الدنيا فوق رؤوسنا على حين غرة ونحن غافلين.
قد نتقبل شيئا من مضمون هذه النظريات في إطار طمع الاعداء في أرضنا وخيراتنا وثقافتنا واستهداف ثقافتنا الى حد ما دون مبالغة أو تهويل، ولكن هناك صنف اخر من المؤامرات يروج البعض لحدوثها أقل ما يقال فيها انها اقرب ما يكون لقصص الف ليلة وليلة منها للواقع، وتزدهر مثل هذه النظريات عادة في أجواء الخوف والترقب بعد وقوع بعض الاحداث الهامه كالحروب والثورات والزلازل والمحن بشتى اشكالها كما يحصل هذه الايام في جائحة كورونا والملاحظ في النسخ المستجدة لهذه النظريات أنها اتسعت لتشمل كل قاطني الكوكب.
قبل عصر الانترنت كان بعض كبار السن –الفاضيين أشغال–غالبا هم المصدر الابرز لتوقعات الاحداث القادمة عندما كان المذياع والتلفاز والصحافة المطبوعة إن وجدت هي مصادر الاخبار المتاحة وكنا كصغار سن تعوزنا الحكمة والمعلومة نميل لتصديق كل ما يقولون، وكيف لا نفعل ونحن نرى غيرنا ممن هم أكبر سنا اكثر ميلا منا لتصديق هذه السيناريوهات المتوقعة للأحداث والتي تتسم عادة بطابع الافراط في التفاؤل والتشاؤم وفقا لواحدة من نظريات المؤامرة متشعبة الاطراف.
الان وبعد انقضاء ما يقارب العام على بداية الجائحة فقد نشط بازار نظريات المؤامرة وزاد عدد دعاتها من كل الاعمار والاجناس بشكل لا يصدق كحال بعض المشاهير في شتى المجالات اللاهثين للعودة الى جو الاضواء التي انحسرت عنهم زمن الجائحة ومن يطلقون على انفسهم في وسائل التواصل جزافا خبراء ومحللين في كل شؤون الحياة من أمن واقتصاد وسياسة وصحة الى اخر القائمة وحتى أناس عاديون ينشطون على وسائل التواصل سعيا للمزيد من المتابعين يتحفوننا كل يوم بتوقعات مثيرة احداثها أشبه ما تكون بأفلام نهاية العالم وفقا لمؤامرات محبوكة يقوم بها هذا الملياردير أو تلك النخبة المتمكنة على الساحة الدولية أو تخطيط تلك الدولة للسيطرة على العالم أو القضاء على أعداد مهولة من البشر والتحكم في عقول وسلوك من تبقى منهم وغير ذلك الكثير من الاحداث الجسام التي سوف تقع مما لا يخطر على بال سوى صاحب الخيال الجامح.
اما الاكثر عجبا واثارة للدهشة أن بعضا من هؤلاء القوم لا يرعوى عن غيه وتضليله لعامة الناس بنشر مثل هذه الترهات ذات العناوين المرعبة والتي لا تخضع لأي منطق وحتى بعد أن برهنت الايام على بطلان توقعات سابقه له لم نر شيئا يحدث منها على أرض الواقع ما انفك يأتيك بتوقعات جديدة وتعديلات على ما سبق ويختلق ألف سبب وعذر لخيبته وفشل تنبؤاته ، كيف لا ونحن في عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي تدرً المال والشهرة على كل صاحب لسان عذب وخيال خصب بإتاحة الفرصة له لتسويق بضاعة كل رأس مالها سرد جميل لشطحات من مخيلته تسهل له الوصول السريع الى عقول وقلوب اعداد أكبر من عامة الناس والبسطاء المنبهرين بمثل هذه التحليلات الخرافية المضحكة احيانا والتي لا تنسجم مع مجريات الاحداث ولا تستند لأي دليل من العلم والمنطق.
رؤيتي الخاصة للمهزلة التي تدور أحداثها بين أصحاب نظريات المؤامرة ومتابعيهم من الجماهير عبر وسائل التواصل وأقولها اسفا على الحال الذي صرنا اليه بأنه أقرب الى كونه تجسيدا للمثل القائل رزق الهبل على المجانين.