حوار لتعديل الأوتار دكتور عايدة عيد من لبنان

حوار لتعديل الأوتار دكتور عايدة عيد من لبنان
حاورها الأستاذ: النَّاصر السَّعيديِّ من تونس
لم نفوّت الفرصة مثلما تعوّدنا عبر صفحات منصّة الفريدة الرّائدة، نسير على خطى أستاذ: حسام الدّين طلعت؛ لنغتنمها كأبهى ما يكون لمّا استضفنا إلى صالون مجلتنا قامة من العيار الثّقيل: الدّكتورة والمبدعة والإعلاميّة اللّبنانيّة: عايدة عيد، وقد قبلتْ الدّعوة بصدر رحب تثمينا لسموّ أخلاقها، أنا أسألها من منارة قرطاج وهي تجيب من قلعة طرابلس عبر نسائم البحر الأبيض المتوسّط، وهي تهبّ من الغرب تجاه الشّرق ترسم الملاحم والقصص والحكايات، أين تنتصب لبنان عروس المشرق في هيْبة وسحر وجمال:
……………………………..
نصّ الحوار:
١- وأنتِ تستعدّين مع رفاقك لإحياء الحدث الفنّي: “تاريخ البشر في حجر”، أيّ معانٍ وعناوين وشعارات ستتضمنها هذه الجولة الممسرحة؟ باختصار تجيبين أي دون إطالة.
بالبداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرق التحايا لتونس الخضراء ولكم أستاذنا الفاضل: الناصر السّعيدي وكل الشكر لمنصة الفريدة التي جمعتنا على الكلمة الطيبة وأخص بالشكر الصديق النبيل الأستاذ: حسام الدين طلعت.
الآن سأبدأ بالإجابة على الأسئلة المميزة
– تاريخ البشر في الحجر عنوان يتحدث عن نفسه والعناوين كثيرة، وأهمها تذكير الناس بحضارتنا وتاريخنا العريق وإعادة الحياة إلى القلاع والأماكن الأثرية وهذا دور كل مثقف.
٢- لماذا تمّ الاختيار على القلعة الرّمز، قلعة طرابلس؟
– تاريخ البشر في الحجر انطلق من قلعة جبيل في السّنة الماضية، وهذه السنة قلعة طرابلس بمناسبة اختيار طرابلس عاصمة الثقافة لعام ٢٠٢٤، وبما أن قلعة طرابلس من أقدم وأكبر القلاع في لبنان فالحديث عنها مشوقًا ولا ينتهي، فهي من معالم الجمال في مدينة العلم والعلماء.
٣- أين سنرى طرابلس الموطن في هذا العمل التّاريخيّ؟
– سنرى طرابلس في كل المشاهد ففي كل مشهد حكاية عن طرابلس، فهناك طلاب أكاديمية د.كوليت الخوري يوسف سيجسدون المشاهد كحرفيين وأيضًا ستتحدث المشاهد عن حياة الناس في الماضي وكيف كان أهل طرابلس يعيشون، بالإضافة إلىٰ مشاركة عدد من الفنانين التشكيليين والحرفيين من أسواق طرابلس، وسنسمع من حناجر الشعراء حكاية طرابلس.
٤- ولبنان الوطن، هل سيفرض نفسه في صلب هذا العمل الفرجوي؟
– لبنان الوطن ولبنان الحياة ولبنان السلام والعيش المشترك هو العنوان الرئيسي في هذا الحدث؛ لأننا تعلمنا أن نحارب الحروب بإرادتنا وعشقنا للحياة وهذا الشيء معروف عن الشعب اللبناني.
٥- هو لديكم: “المشروع الحلم”، ألهذه الدرجة من الأهميّة تؤشّرون له كحلم؟
– هذا الحلم بدأ في خيال الصديقة الغالية أوبرا العرب: د. كوليت الخوري يوسف حدثتني عن حلمها فكان من واجبي أن أضع يدي بيدها، فالحلم لا يتحقق إذا لم تكتمل العناصر المطلوبة والتكاتف يصنع المستحيل، نعم إنّه حلم؛ لأن الأماكن الأثرية في لبنان كانت مهملة للأسف والبعض لا يعرفون شيئًا عن حضارة لبنان والدخول إلىٰ هذه الأماكن كان حلمًا نظرًا لظروف الحرب وانهيار المؤسسات وتقاعس السلطة عن واجباتها تجاه الشعب، فما أجمل من بناء الوطن على ركام الفوضى!
٦- تشتغلون على الفعل التّاريخي والموروث الشّعبيّ، أي علاقة بين هذا الماضي وثنائية زمنيّ الحاضر والمستقبل؟
– العمل بين الماضي والحاضر متعة وكأنك تدخل إلى الماضي عندما تدخل إلى القلاع وعندما تخرج منها تعود إلى الحاضر، وهذا ما نريده حتى في أزياء المشاركين وهكذا نكون أعدنا دمج الماضي بالحاضر فجميعنا نحلم بالماضي، وماذا لو عشناه لساعات حقًا إنها فرصة جميلة.
٧- في كتاباتك المسرحيّة طوال مسيرتك الإبداعيّة، هل اشتغلتِ على الإنسان في المطلق أم على الإنسان العربيّ عامة واللبنانيّ خاصة؟
– كل ما أقدمه في أعمالي يتحدث عن الإنسان بشكل عام، فالإنسانية لا تعرف هويّة، ورسالتي ليست للوطن العربيّ وحسب إنها لكل إنسان، ومع ذلك خصصت بعض الأعمال للوطن العربي فهناك قضايا حدثت فقط في وطننا ومن واجبي تسليط الضوء عليها.
٨- أنتِ ابنة طرابلس – الميناء، ماذا وهبكِ البحر في نبض أعمالك الإبداعيّة والفنّية؟
– للبحر حكاية في داخلي، فمنذ طفولتي أتعامل مع البحر كصديق فكنت أحاوره وأسأله وأسمع أجوبته وأجمع أصدافه وألعب برماله وهوايتي الأقرب إلى قلبي السباحة، البحر ملهم يصيغ الحروف والكلمات بأمواجه وينقلها إلى مشاعرنا فتتحول إلى قصيدة من صنع البحر وكل ما في البحر يشبه البشر.
٩- هل أنتِ شاعرة وفيّة لمدرسة المشرق الشّعريّة القديمة أم أنتِ مع شعر الحداثة في تشكّله الجديد؟
– الشّاعر الحقيقي هو من يقرأ شعراء الماضي، حتّى وإن كانت ميوله للشعر الحديث، فنحن نتعلم من الأدب الموزون بكل المعاني في تلك الحقبة من الزمن، أمّا اليوم نحن في عصر بعثر المعنى الحقيقي للشعر وأصبح الجميع شعراء فالفطرة هي الأساس لصناعة أي نوع من الشعر.
١٠- أنتِ لستِ خرّيجة مجال الأدب، فهل بدأتِ كتابة الشّعر هوسًا أم هواية أم ضرورة أم لأمر غير هذه الأسباب؟
– نعم، لست خريجة أدب عربي، لكنني كتبت الشعر منذ الطفولة وهنا أعود للإجابة السابقة أن الفطرة هي أساس الإبداع، فلن تصبح شاعرًا بين ليلة وضحاها، وأكرر إن كل ما قدمته وأقدمه رسالة، والهدف الأساسي في مسيرتي تربويّ، فالكلمة سلاح ذو حدين ما يفسده الآخرون علينا بمعالجته من خلال الكلمة الهادفة.
١١- كتبتِ القصيد باللهجة اللبنانيّة العاميّة، حتمًا هو اختيار منكِ عن وعي لغاية ما أم عكس ما أقول؟
– نعم، كتبت بالعامية اللبنانية لأسباب عدة أولها: أنني كتبت الأغاني لعدد من الفنانين وفي بعض الأحيان تلهمك بعض التفاصيل والأحداث التي تدور حولك فتتحدث على طبيعتك وبلهجتك دون أي قيود فيكون التعبير أقرب إلى قلوب الناس.
١٢- يلقّبونكِ بـ “شاعرة الأرز”، ألا ترينها تسمية ثقيلة وأنتِ من مدرسة لبنان الشعريّة العريقة وأفذاذها: ميخائيل نعيمة وإيليّا أبو ماضي وجبران خليل جبران والقائمة تطول من الشعراء القدامى وشعراء جيل اليوم؟
– كل الفخر بأسماء ذكرتها يا سيدي، لكل زمن جيل وفي كل زمن ترك المبدع بصمته، أمّا أنا وبكل تواضع لم تأت هذه التسمية أو اللقب من فراغ (شاعرة الأرز)، إنه لقب صنعته مواقفي، فالعمل الوطني والدخول في معركة الحق والباطل والمواقف السياسية وصوت الأبرياء ومحاربة الفساد بصوتي كمواطنة أولًا وفي عيون الناس الشاعرة عايدة والكثير من المواقف الوطنية التي حملتها في رسالتي لم يتجرأ غيري بالحديث عنها، وهكذا جاءت التسمية.
١٣- كبار الفنّانين غنّوا أبهى الكلمات عن لبنان على غرار السّيدة فيروز وماجدة الرّومي والشّحرورة صباح ووديع الصّافي وغيرهم، وأنتِ شدوًا أو شعرًا أو وصفًا ماذا قلتِ عن لبنان السّحر والجمال؟
– ما أعظم هذه الأسماء رموز لبنان وصوت لبنان، كتبت عن وطني الكثير حتّى لقبت: بشاعرة الوطن، ولكم ما كتبته يومًا عن وطني الحبيب:
كرهي مدلل

كفاك ذنوب
الحب في حرم الولاء ندوب
يمر على صبري بوعده
ويمطر في الصباح عيوب
أقص عليه أكاذيب التخلي
لأمتحن قبلات تلوب
ألون النوم بأقلام شوقي
وأحضن طيفُه ويحلو الهروب
حنيني يجُف وأيمم عطفي
بعشق يصلي يصلي ولا يتوب
أحبك كرها وكرهي مدلل
يحبك عشقًا بنبض طروب
لتصبح أنت نقطة ضعفي
ويسقط ضعفي بحضن الوجوب
أحبك تكفي؟
أم أن صمودي يحب الحروب؟
لبنان أنتِ ويعجز وصفي
وجيشك شمس تعادي الغروب
كفاك ذنوب 🇱🇧
١٤- هل لبنان اليوم يحتاج إلى سلاح البندقيّة -لا قدّر الله- أم هو في حاجة ملحّة للكلمة والفكر والعقل؟
– شبعنا من البندقية، فنحن نعيش في معركة وجود فالسلاح المتفلت حرق الأخضر واليابس، نحلم بالسلام فلبنان يستحق الحياة بأمن وأمان، ومن خلال العقل والضمير والفكر والقلم نستطيع نشر الوعي، لكن السلاح فيروس منتشر لم يسلم منه احد وراح ضحيته أبرياء، ونسال الله أن يحفظ عقولنا من شر واقعنا المرير.
١٥- تقولين في إحدى مداخلاتك: “في وطني نريد حياة”، ماذا تقصدين بالضبط وأنتِ تتوجهين بالمعنى للقارئ اللبناني والعربي؟
– نعم، نريد حياة، نريد وطنًا، فالوطن بدون سلطة لا سلطة له على شعبه فجميع حقوقنا منهوبة وجميع أحلامنا مغتصبة وشباب الوطن هاجروا وجميعنا سنهاجر إذا بقي الوضع كما هو الآن، إمّا عيش بكرامة أو موت بكرامة نريد حياة لأولادنا وللأجيال من بعدنا.
١٦- وجعلتِ لإحدى قصائدك عنوان:” أحاول النجاة”، النجاة من أيّ شيء حتّى يزول الغموض وينقشع ويتحرّر القارئ من لغز وسلطة ورقابة عنوانك؟
– هههههه، سؤال رائع (أحاول النجاة) من كل شيء خارج عن الطبيعة ومن كل بؤس ينهي طموحاتنا ومن كل غدر عانى منه البعض فأنهى مسيرته، أحاول النجاة حتى من نفسي إذا تمردت أو تكبرت لا سمح الله، السلام السلام السلام، حتى وإن تعرضنا لظروف قاسية علينا البحث عن السلام للنجاة من كل شيء سلبيّ.
١٧- في جملة أنشطتك المتنوعة، هل تشتغلين من أجل غايات وأهداف أم من أجل مشروع إنساني وحضاريّ؟
– حصلت على ثروة كبيرة من خلال أعمالي، وهي محبة الناس ومصداقيتي وشفافيتي بالعمل وجميع أعمالي قدمتها مجانًا وجميع المناصب التي حصلت عليها لم أتقاضَ عليها أجرًا، فأنا جندي في خدمة الوطن والثقافة والإنسان، والمال وسيلة للحياة لكنه لا يصنع العقل ولا يعطيك محبة الناس.
١٨- طرابلس الموطن، في أعمالك الفنّيّة والأدبيّة هل هي المصدر والمنبع أم الغاية والمقصد؟
– لبنان لبنان، كل شبر في هذا الوطن هو هويتي، أمّا طرابلس فهي وسادتي وهي الأم التي تحتويك مهما أغضبتها، وهي الحضن الدافئ بعد جولة متعبة في محطات الحياة.
١٩- على طول مسيرتك الإبداعيّة، ماذا قدّمتِ لفلسطين العزّة والكرامة؟
– فلسطين يا وجعًا على أسوار الكوفية. فلسطين بدايتي، فأول ما كتبته كان عن فلسطين كنت في الصف الرابع الابتدائي، هذه قضيتي وقضية كل مؤمن بالحق والعدل والأرض والوطن، شاركت بالكثير من الأعمال التي تخص هذه القضية، وقدمت مؤخرًا أوبريت تشرين غزة، والذي قام برعايته استاذي الكبير رئيس سوانح ادبية عربية د. مفلح الثبيتي، شارك في هذا العمل عدد كبير من الإعلاميين والأدباء والشعراء والفنانين العرب واستطعت من خلال هذا العمل تشجيع الجميع على التضامن مع هذه القضية، ولو بكلمة، وهذا أقل ما يمكن تقديمه لتلك الأرض الطاهرة.
٢٠- إذا علمنا أن تونس قرطاج ولدت من رحم لبنان لمَا بنت عليسار أميرة صور مدينتها: “قرط حدشت”، لو زرتنا في تونس الخضراء، فماذا تجلبين لنا من أرض لبنان الأبيّة؟
– اللهم احفظ تونس وشعبها الجميل اللطيف، إذا جئتكم يا أحبابي سأحمل لكم من لبنان حفنة من التراب وشتلة أرز، وهذه أغلى ما أملكه وأفخم الهدايا من وطن يعشقه الجميع، فتراب الوطن أغلى من الروح.
٢١- اسمكِ:” عايدة”، تعودين من رحلة “سيزيف” أم هي عودة الغريب إلى وطنه أم عودة العصفور إلى وكره عند الغروب أم عودة الوعي للإنسان العربي، يعني إلى ماذا يرمز اسمك وماذا يخفي جواه؟
– عايدة/ لكل امرئ من اسمه نصيب وأخذت من اسمي ما يزيدني اعتزازًا بهذا الاسم وبالفطرة، دخل هذا الاسم في عمق أخلاقي فأنا أعود إلى الله في كل أمر حتى في لحظات غضبي أحاول اللجوء إلىٰ الله كي لا أقع في الخطأ، واعشق محاسبة نفسي وتأديب نفسي كي لا اتحول إلى إنسانة مجهولة الهوية من الداخل والخارج، فصفات الإنسان الداخلية تنعكس مباشرة على ملامحه، وأشكر عائلتي على اختيارهم لهذا الاسم الذي بنى شخصيتي كما يجب وكما أحب أن تكون.
وكل الحب والاحترام والتقدير لشخصكم أستاذي الراقي على هذا الحوار الممتع وعلى أسئلة تجعل القارئ يتعرف على شخصيتنا أكثر وأكثر، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنكم دائما وأن يسخرنا لخدمة الوطن والعباد، دمتم بخير يا سادة الأدب.
وختامًا، بماذا أعلّق؟ وماذا أقول؟ وأنا أقرأ أجوبة المبدعة ضيفتنا: عايدة عيد، وهي كالدّرر تتلألأ في نبض الكلام والحديث، طالما الحديث شجون والشّجون فنون والفنون جنون، حديث جاء ساحرًا على لسان سيّدة تامّة الأوصاف فكريّا وإنسانيّا وأخلاقيّا، هي رمز ومثال للمرأة اللّبنانيّة خاصّة والعربيّة عامة، تترك بصماتها أينما مرّتْ في صلب الفعل المجتمعي بكلّ توجّهاته ومجالاته بوجه صبوح مشرق كشمس الأصيل، وثغر باسم يكشف ودّها ووداعتها وصدقها، فتنوّعتْ الألقابُ والتّسمياتُ بينما الشخصيّة واحدة ظلّتْ ثابتة على مبادئها، تتفيّأ ظلال قلعة طرابلس الشّامخة لتصدح بأعلى صوتها: “نريد حياة، نريد وطنًا”، فيتردّد صدى ندائها في كلّ أرجاء الوطن العربي الجريح من المحيط إلى الخليج مع أسراب العنادل المهاجرة عند الغروب وهي تغرّد أناشيد النّصر لغزّة الأبيّة، شكرا وألف سلام لك سيّدتي الفاضلة: عايدة عيد، أنّك تعسّفتِ على كثرة التزاماتك وتحمّلتِ لظى أسئلتنا بين ثنايا دقائق قطفناها من وقتك الثّمين، فجاءتنا أجوبتك درسًا، بل دراسة أكاديميّة في عمق الأثر الفكري بمحاور متنوّعة لتكون سندًا نابضا لطلاّب العلم وللقرّاء ولعشّاق الكلمة الحرّة ولأهل الفكر عامة، حقّا نحن نفتخر ونعتزّ بك، ونقول لك: صدقتِ فتميّزتِ ونجحتِ، شكرا لكِ، والشّيء من مأتاه لا يستغرب.

Related posts