بقلم: المستشار الإعلامي والسياسي خميس إسماعيل
رئيس مجموعة الكيانات المصرية
(الحملة المصرية لدعم الدولة للإعلام السياسي – المؤسسة المصرية للإعلام وحقوق الإنسان والتنمية – الاتحاد المصري للقبائل العربية – الاتحاد العالمي للسلام والعادل والشامل – جريدة وقناة أخبار العالم مصر)
أنا وقلمي وقهوتي…
جلست في ركنتي الهادئة، أرتشف فنجال قهوتي، وأمسكت بقلمي، أتابع ما يدور من أحداث سياسية على مستوى العالم، وأتوقف عند مشهد قد لا ينتبه له كثيرون، لكنه يحمل دلالات كبرى:
تراجع ترامب عن فرض الضرائب على الصين.
في فترة رئاسته، خاض دونالد ترامب حربًا اقتصادية ضارية ضد الصين، ورفع شعار “أمريكا أولاً”، ففرض ضرائب جمركية على مئات السلع الصينية، مُعتقدًا أنه قادر على إخضاع التنين الآسيوي بسياسة “لي الذراع”.
لكن الصين لم تتراجع، بل ردّت بهدوء، وخططت بإستراتيجية طويلة النفس، فوسّعت شراكاتها التجارية، وعمّقت نفوذها في أفريقيا وأوروبا، وطوّرت صناعاتها الداخلية، بل وزادت صادراتها للعالم.
ومع ضغط الأسواق الأمريكية، وتأثير الضرائب على المستهلك الأمريكي نفسه، وجد ترامب نفسه مجبرًا على التراجع المرحلي، وتأجيل قراراته مرارًا، حتى بدا الأمر وكأنه هزيمة سياسية واقتصادية أمام الصبر الصيني العميق.
الصين لم تنتصر فقط لأنها لم تتراجع، بل لأنها قدّمت درسًا في القوة الهادئة، وفي إدارة المعارك بالعقل لا بالصوت العالي.
أما ترامب، فقد راهن على الهيمنة، لكنه نسي أن العالم يتغير، وأن الحروب الاقتصادية لا تُحسم بالتغريدات، بل بالتوازن والذكاء والواقعية.
في زمن الأقطاب المتعددة، لم تعد أمريكا وحدها في الساحة، والصين الآن لم تعد “مصنع العالم” فقط، بل شريكٌ سياسي واقتصادي لا يمكن تجاوزه… وهذا بحد ذاته انتصار جديد لبكين، وهزيمة ناعمة لواشنطن.
الختام: تحالف الصين مع مصر… وتحدي الهيمنة الأمريكية
وعلى صعيد العالم العربي، يشهد تحالف مصر مع الصين مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي، الذي يَعِد بالازدهار في مختلف المجالات الاقتصادية، التجارية، والعسكرية.
ومع رؤية مصر 2030، الصين تُعتبر شريكًا رئيسيًا في مشاريع البنية التحتية العملاقة مثل “مبادرة الحزام والطريق”، وهو ما يعزز التعاون بين البلدين على المستويين السياسي والاقتصادي.
لكن ما يميز هذا التحالف الجديد هو البُعد العسكري، حيث بدأت التدريبات العسكرية المشتركة بين الجيشين المصري والصيني، مما يعكس تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين. هذه التدريبات والمناورات العسكرية تهدف إلى رفع مستوى التنسيق بين الجيوش، وتبادل الخبرات في المجالات الأمنية والعسكرية.
تدريبات عسكرية استراتيجية
تشهد السنوات الأخيرة تصاعدًا في وتيرة التعاون العسكري بين مصر والصين، حيث يتم تنظيم مناورات عسكرية مشتركة تجمع بين القوات المسلحة المصرية والجيش الشعبي الصيني. هذه المناورات لا تقتصر على التدريبات الأرضية فحسب، بل تشمل أيضًا تدريبات بحرية وجوية، وتستهدف تعزيز قدرة البلدين على التصدي للتهديدات الأمنية المشتركة.
من بين أبرز هذه المناورات “التنين المصري”، التي تهدف إلى تحسين قدرة الجيوش على التعاون في مواجهة التهديدات الإقليمية، مثل الإرهاب والمليشيات المسلحة التي تهدد الاستقرار في المنطقة. خلال هذه المناورات، يتم اختبار الأسلحة المتطورة الصينية مع الأنظمة الدفاعية المصرية، مما يعزز قدرة الجيش المصري على التعامل مع أسلحة حديثة ومتقدمة.
التعاون العسكري بين مصر والصين لا يتوقف عند المناورات، بل يشمل أيضًا التدريب المشترك على التكنولوجيا العسكرية الحديثة، وتبادل الخبرات في مجال الاستخبارات والأمن السيبراني. هذا التعاون يعزز قدرة القوات المسلحة المصرية على حماية مصالحها في البحر الأحمر والمنطقة، وهو أمر أساسي في ظل التوترات المستمرة في المنطقة، بما في ذلك حول مضيق باب المندب ومنطقة قناة السويس.
الرسالة الموجهة لأمريكا
هذه المناورات المشتركة، بالإضافة إلى التنسيق العسكري الوثيق بين الجيشين المصري والصيني، تُعد رسالة مباشرة لأمريكا، بأن التحالفات في الشرق الأوسط لم تعد محصورة في نطاق واحد. مصر، التي كانت تاريخيًا حليفًا استراتيجيًا لأمريكا، تسعى الآن إلى تنويع خياراتها الاستراتيجية والتحالفات، في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية الكبرى على الساحة العالمية. هذا التحالف العسكري مع الصين يُرسل إشارات قوية إلى الولايات المتحدة، مفادها أن مصر في طريقها نحو تعزيز استقلالها العسكري، وأنها ستواصل تعزيز قدراتها الدفاعية بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية.
تحدي الهيمنة الأمريكية في المنطقة
التعاون العسكري بين مصر والصين يهدد الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. فعلى مدار عقود، كانت أمريكا هي اللاعب الرئيسي في السياسة العسكرية في المنطقة، من خلال تحالفاتها مع بعض الدول العربية. لكن التحول في التحالفات، وعلى رأسها التعاون العسكري بين مصر والصين، قد يشكل نقطة تحول في موازين القوى في المنطقة.
مصر الآن تمسك بالزمام في تحقيق مصالحها الاستراتيجية، وذلك ليس فقط من خلال علاقاتها مع القوى العالمية الكبرى مثل الصين، بل أيضًا من خلال التقوية العسكرية الداخلية وتعزيز قدرات الدفاع الذاتي. هذه النقلة لا تقتصر فقط على المصالح العسكرية، بل تشمل أيضًا المشاريع الاقتصادية الكبرى التي تشارك فيها الصين، مثل بناء موانئ جديدة، مشروعات الطاقة، وتوسيع البنية التحتية.
تأثير هذا التحالف العسكري على الأمن الإقليمي
مع تزايد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، يُعد هذا التحالف العسكري بين الصين ومصر خطوة هامة نحو تعزيز الأمن الإقليمي، حيث يُعزز قدرة مصر على مواجهة التهديدات، سواء كانت إقليمية أو دولية. كما أنه يعكس تغيرًا في موازين القوى العسكرية في المنطقة، ويؤكد أن مصر لا تعتمد على الحماية الغربية فقط، بل تسعى إلى تنويع مصادر قوتها العسكرية والسياسية.
إن تحالف الصين مع مصر، بما في ذلك التنسيق العسكري والتدريبات المشتركة، يعد خطوة هامة نحو تعزيز السيادة المصرية وتقوية الاقتصاد الوطني، في وقت تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والسياسية على مستوى العالم.
إن هذا التحالف العسكري يعزز دور مصر كقوة إقليمية مستقلة، ويسهم في إعادة صياغة موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط.