مكافحة الفقر وعلاجةاداة الاستقرار فى الشرق الاوسط

بقلم السياسي الاعلامي /محمد الشريف
مكافحة الفقر أداة الاستقرار في الشرق الأوسط.
نظرة سريعة على التطورات في المنطقة تكفي لأن تثير فينا شعورا بالقلق البالغ. الحرب الطاحنة في سوريا خير مثال على خطورة الوضع؛ فالمعارك هناك دخلت شهرها الثلاثين، والخسائر فادحة: أكثر من مائة ألف قتيل وأربعة ملايين نازح ومليوني لاجئ.. أما الاقتتال فلا ينفك يزداد ضراوة.

آثار الحرب المروعة تلك امتدت إلى الدول المجاورة؛ فلبنان يستضيف اليوم أكثر من 760 ألف لاجئ سوري (مسجلين لدى السلطات الرسمية) ويحتاج إلى المساعدة في إيوائهم. أما في الأردن فهناك أكثر من 530 ألف لاجئ، نحو 120 ألفا منهم في مخيم الزعتري.

هذه الظروف الصعبة تحتم علينا مساعدة هذين البلدين، اليوم وليس غدا. لقد قدم البنك الدولي من جهته 150 مليون دولار في شكل مساعدات طارئة إلى الأردن قبل بضعة أشهر. وقدرت الدراسة الشاملة لتقييم الآثار والاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، التي أجراها البنك الدولي، أن هذا البلد تكبد خسائر بمليارات الدولارات جراء الحرب في سوريا. ورغم تعهد مجموعة المساندة الدولية للبنان الأسبوع الماضي بتقديم الدعم المالي، فإنه ما زال علينا مضاعفة الجهود لتجنب الكارثة في لبنان.

لكن التحديات التي تواجهها دول الشرق الأوسط لا تقتصر على الحرب والسلم والاستقرار فحسب، بل تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. الغاية الأساسية التي يجب أن نضعها نصب أعيننا هي التنمية، وعلينا، بناء على ذلك، أن نسعى لوضع أسس قوية ومستدامة لها.

غياب التنمية كان في صلب الثورات التي عصفت بالعالم العربي. وعلى الرغم من تحقيق عدد من بلدان المنطقة في العقد الماضي نموا عاليا تراوح بين الأربعة والخمسة في المائة سنويا، فإن الصعوبات الاقتصادية التي واجهها المواطنون العاديون كانت أحد مسببات انطلاق شرارة المظاهرات. فهناك طبقة وسطى متزايدة من الشباب المتعلم الذي لا يجد متاحا إلا القليل من الوظائف: وظائف يستأثر بها عادة أصحاب الحظوة لا الكفاءات والمواهب. وهناك قطاع خاص يستفيد من الامتيازات التي تقدمها له الدولة: امتيازات حوّلت اقتصادات عربية إلى أنظمة رأسمالية قائمة على المحسوبية. وحين تدفق الملايين للميادين للتعبير عن سخطهم طالبوا أولا بتحسين ظروفهم الاقتصادية. هذا ما يحدث حينما يكون الرخاء حكرا على فئة من دون الأخرى. لكن ماذا عن مرحلة ما بعد الثورات؟ مع وصول حكومات جديدة في عدد من بلدان الشرق الأوسط وجدت تلك الحكومات نفسها أمام ثلاثة تحديات؛ التحدي الأول استعادة الاستقرار الاقتصادي، والثاني إدخال إصلاحات اقتصادية تلبية لتطلعات الذين شاركوا في المسيرات بالشوارع، أما الثالث فهو إدارة الفترة الانتقالية التي من شأنها أن تفضي إلى صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات حرة.

هذه تحديات جسيمة ويصعب على أي بلد أن يتصدى لها بمفرده، لذا يتوجب على المجتمع الدولي توفير موارده وإمكانياته لمساندة الشباب الذين خرجوا للمطالبة بالحياة الكريمة التي يستحقونها.

أما بالنسبة للبنك الدولي فالدور الذي سيلعبه في المرحلة المقبلة سيكون في إطار خطة شاملة أقرها مجلس المديرين التنفيذيين قبل ستة أشهر ترتكز على هدفين أساسيين؛ أولا القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030، وثانيا تعزيز الرخاء المشترك. وهذان الهدفان لا يقتصر تحقيقهما في الشرق الأوسط فحسب، ولكن يمتد إلى العالم أجمع.

فمكافحة الفقر تمثل الدافع الأخلاقي لعملنا. لكن حقيقة الأمر أن أكثر من مليار شخص يعيشون بأقل من 1.25 دولار في اليوم. هذه الحقيقة تلقي بثقلها على ضمائرنا، لذا علينا أن نسعى بشكل دؤوب لانتشال الناس من براثن الفقر من دون تأخير، وأينما وجدوا، ومهما كانت الظروف.

أما الهدف الثاني المتعلق بإرساء الرخاء المشترك فهو أكثر تعقيدا. الاحتجاجات التي شهدتها ثورات الربيع العربي تستمد جذورها من الرغبة العامة في الانضمام إلى الطبقة الوسطى. هذا كان الدرس المستفاد من الربيع العربي. ونحن ندرك اليوم أنه بات علينا العمل لضمان وصول ثمار النمو إلى الجميع، لا إلى النخبة وحدها. ولهذه الغاية سنحرص في مجموعة البنك الدولي على أن تكون كل أنشطتنا مركزة تركيزا شديدا على هذين الهدفين؛ إنهاء الفقر وإرساء الرخاء المشترك. سنتحلى بالجرأة وسنتحمَّل المخاطر. وأعني بذلك أننا سنستثمر في المشاريع التي يمكنها المساعدة في إحداث تحول جوهري في التنمية، حتى لو كان خطر الفشل قائما.

سنسعى إلى إيجاد حلول ذات طبيعة محلية من خلال تقديم ما نملك من خبرات ومعرفة وتوفيرها للبلدان التي تحتاج إليها. سنبحث دائما عن فرص لمساعدة البلدان على الاستثمار في شعوبها لا سيما في مجالات التعليم والرعاية الصحية. سنعمل من أجل ابتكار أدوات مالية تتيح للدول التي تحتاج إلى تمويل طويل الأجل فرصة الحصول عليه. كما أنني أتعهد بأن توجه مجموعة البنك الدولي نسبة أكبر من تمويلها إلى هذه المعركة: المعركة ضد الفقر.

علينا استغلال الفرصة من دون تأخير، فنحن نشهد الآن اهتماما أكبر بهذه القضية من العالم بأسره. المسؤولون الدوليون بدأوا يدركون أن تعزيز الرخاء المشترك يسهم في ضمان الاستقرار. وانضم زعماء سياسيون كالرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء البريطاني إلى الأصوات المطالبة بإنهاء الفقر. لكن الدعم السياسي وحده لا يكفي. لا بد أن نقوم جميعا ببناء حراك اجتماعي من أجل بلوغ هذا الهدف. هذا يعني أننا نحتاج إلى مساعدتكم أيضا. نحتاج إلى انخراط الناس في هذه المعركة.

مكافحة الفقر هي معركة عصرنا الحاسمة. يجب ألا نقبل بعد الآن بأن يعيش أكثر من مليار شخص في فقر مدقع، في وقت لدينا فيه الأدوات والموارد اللازمة لتغيير حياتهم إلى الأفضل. ينبغي ألا نقبل بعد الآن بحرمان 40 في المائة من سكان العالم من فرص الحصول على الوظائف والرعاية الصحية والتعليم.

بوسعنا تحقيق ما هو أفضل من ذلك. فلنعمل معا َ من أجل جعل هذا الهدف حقيقة ملموسة.

Related posts