شباب بلا أمل فى قطاع غزة

 

 

 

شباب بلا أمل فى قطاع غزة
متابعة /أيمن بحر 
يعيش فى قطاع غزة مليونا نسمة، ولم تتمكن غالبيتهم أبداً من مغادرة المنطقة الواقعة بين إسرائيل ومصر، والشباب بوجه خاص يعانون من إنعدام الآفاق لأسباب عدة فى مقدمتها تفاقم مشكلة البطالة وسوء الخدمات الصحية.
أضحى الشباب الذين يمشون على عكاز في مدينة غزة جزءاً من المشهد اليومى للمدينة، محمود أبو زير واحد منهم وهو لا يقدر على الحركة، لأن الجروح ماتزال حديثة، يقضى بالتالى غالبية وقته داخل غرفة فى بيت والديه فى حى النفق بغزة، قبل أسبوعين أطلق قناص إسرائيلى الرصاص على رجليه، كما يقول الشاب البالغ من العمر 19 عاماً، وعلى غرار كل يوم جمعة فى الشهور الأخيرة قضى فترة بعد الظهر على “السياج” والقى بحجارة، ويقول أبو زير في حديث مع دويتشه فيله:” كان عادياً الذهاب الى هناك، جميع أصدقائى تقريباً كانوا هناك”.
الإحتجاجات الشعبية “لمسيرة العودة” على طوال السياج الحدودى بين إسرائيل وقطاع غزة بدأت قبل عام تقريباً، ويطالب المتظاهرون بنهاية حصار القطاع المنفصل عن العالم الخارجى من كل الجوانب أى من جهة البحر والجو وكذلك على الأرض. وغالبية المتظاهرين الشباب لم تغادر غزة أبداً بسبب قيود السفر المتشددة التى تعللها إسرائيل بأمنها، وسياسة الحصار للبلدين المجاورين إسرائيل ومصر تهدف بالأساس لممارسة الضغط على الحكام فى قطاع غزة، حيث إستولت حركة حماس فى 2007 بالقوة على السلطة فى القطاع بعد نزاع مسلح مع سلطة الحكم الذاتى الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، لكن بعد أكثر من عشر سنوات وثلاثة حروب، باتت إنعكاسات الحصار جلية فى كل مكان: فالبطالة إزدادت والكهرباء أضحت بضاعة شحيحة كما لا يمكن تجاوز الحدود بالنسبة الى غالبية السكان، وقد خابت آمال الكثيرين من محاولات المصالحة الفاشلة بين الخصوم السياسيين من حركتى حماس وفتح، ومع غياب الحل السياسى يبقى القلق من إشتعال حرب جديدة بين حماس وإسرائيل قائماً.
ويقول محمود أبو زير بأنه ليس لديه ما يخسره وبالتالى هو يذهب للمشاركة فى المظاهرات، “لا يوجد مستقبل لنا نحن الشباب، وسأعطى رجلى الإثنتين من أجل أن يتحسن الوضع لعائلتى”، وقبل إصابته إشتغل كمساعد فى إصلاح السيارات، الا أنه لا يجد فى الشهور الخمسة الأخيرة أى عمل، وأبو زير هو واحد من الشباب الكثر الذين يبحثون عن عمل، وتصل نسبة البطالة بين الشباب، حسب البنك الدولى الى نحو 70 فى المائة، ” الناس فى ورشة الإصلاح كانوا يتصلون هاتفياً عندما كانوا بحاجة الى أحد، لكن الآن لا حركة، كل شئ إنتهى، وعندما أتوجه الى باب بيتنا، فإننى بحاجة الى مساعدة شخصين أو ثلاثة لأتمكن من الصعود،” وحالياً لا يقدر على الحركة لولا إستخدام كرسى متحرك أو عكازين.
وينتاب والدته القلق عندما يتوجه إبنها الى “السياج”، وتقول بأنه “لا يوجد عمل للشباب ولا للكبار، أعتقد أن بعضهم يتوجه الى هناك لأنهم يريدون الهروب من هذا الوضع الذى يعيشون فيه، ويريد بعضهم ربما أن يتعرض للقتل”.
والإصابة الصعبة للإبن لا تسهل الوضع المتأزم للعائلة، وبغض النظر عن الولد البكر الذى يعمل كخياط، وقلما يجد زبائن، فإن جميع الأطفال يبحثون عن عمل، وحتى المنحة المالية بقدر نحو 87 يورو التى تدفعها حماس للجرحى لا تكفى.
وإسرائيل تسمى المظاهرات “إرهاباً!” وتتهم حماس بتوظيف الإحتجاجات لأهدافها الذاتية، أما الفلسطينيون فيعتبرون أن من حقهم التظاهر، ومنذ مارس/ آذار من العام الماضى تم، حسب الأمم المتحدة ووزارة الصحة الفلسطينية قتل أكثر من 180 فلسطينياً وجرح أكثر من 6000 بذخيرة حية، بينهم أطفال وأعضاء طاقم طبى وصحفيون، وعلى الجانب الإسرائيلى توفى جندى واحد وجُرح آخرون.
وفى غزة يزداد الإستياء من ظروف الحياة الصعبة والشعور بعدم التحكم فى المستقبل، وهذا يضع حماس تحت ضغط أكبر، ويرى بعض المراقبين بالتالى فى تلك الإحتجاجات متنفساً لإفراغ الغضب وصرف الإنتباه عن الفشل الذاتى المتمثل فى تقديم الدعم للمواطنين، وبالنسبة الى البعض الآخر باتت حركة الإحتجاج ببساطة خطيرة، ويقول بلال أبو نادى:” لن أتوجه للتظاهر، ليس لأننى لست وطنياً، ولكن لأننى أتحمل مسئولية آخرين”، وهذا الشاب الفلسطينى يقول بأنه محظوظ بوجود شغل فى محل النجارة التابع لعمه بعدما فقد عملاً آخر.
“بالنسبة الي غزة مكان جميل، لكن أصبح من شبه مستحيل العيش هنا، وهذا ينطبق بالأخص على الشباب، وإذا لم يتغير الوضع السياسى والإقتصادى، فإن الغالبية ستحاول المغادرة من هنا”، ويقول أحد أصدقائه” يشعر المرء هنا وكأنه ميت حى، والسياسيون من كل الأطياف يتكلمون كثيراً، لكن لا يوجد تغيير، بل يزداد الوضع سوءاً”.
ومن الصعب مغادرة المنطقة الصغيرة، هالة شمان جربت ذلك عدة مرات فى السنوات الأخيرة، لكنها فشلت بسبب ترخيص سفر مرفوض أو بسبب معبر حدودى مغلق، وطبيبة الأسنان البالغة من العمر 26 عاماً تواجه الحياة بالعمل فى عيادتين للأسنان، وفى بعض الأيام تعمل كموظفة إغاثة متطوعة فى الإحتجاجات. وبما أن المعبر الحدودى مع مصر مغلق بإستمرار خسرت منحة لمتابعة الدراسة العليا فى تركيا، وفى تلك الفترة بالذات كانت الحدود مغلقة طوال أسابيع ” ضياع هذه الفرصة دمرتى نفسياً لوقت طويل، فى الأسبوع الأول لم أقدر على الأكل”، كما تتذكر الشابة.
والنقص فى الآفاق للشباب تعرفه أيضا مارى إليزابيت إنغريس التى تدير منظمة أطباء بلا حدود فى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفى إحدى عيادات المنظمة فى مدينة غزة يتلقى أيضاً محمود أبو زير العلاج، وطاقم الأطباء والممرضين يواجه بوجه خاص التهابات العظام المرتبطة بالجروح التى تسببها الطلقات النارية، ومن الصعب فى غزة معالجة هذه الإلتهابات بسبب نظام الصحة المتعثر، فالعدد الكبير من الجرحى يمثل تحديا إضافياً، وتقول المديرة إنغريس بأن الوضع السئ لنظام الصحة قد يدفع فى حال عدم تدارك الوقت الى بتر أعضاء المصابين من الشباب.

Related posts