الحب من طرف واحد:. د/ نورا صبري

تساءلت كثيراً عن وجود الحب من طرف واحد، وكنت دائما لا أومن به، لان الحب هو رباط بين قلبين يشعر كلاً منهم بنبض الاخر دون صوت مسموع ومهما طالت المسافات، وسألت مراراً وتكراراً العديد من الأصدقاء والمعارف عن وجود الحب من طرف واحد، وكان يؤكد لي البعض وجوده أو ينفيه حسب تجربته وخبراته الشخصية ،ولكني لم اصل يوم لنتيجة قاطعة ترضيني، وكنت دائما أقل أنها قد تكون أي مشاعر اخري الا الحب فهو دائما وابدا يحتاج إلى طرفين، لتؤكد لي اليوم حاله ممن يترددون إلى عيادتي للتحليل النفسي، وكانت تعاني حاله من الإحباط واليأس وعدم الرغبة في الحياة مما جعلها حبيسة فراشها، تعيش بين الموت والحياة فهي الحي الميت أو الميت الحي، وكان سبب حالتها هو هجر حبيبها، وظنها أنه تلاعب بمشاعرها، ولم يحبها يوم، وتركها تعاني مرارة الفراق، والام الشوق، وفي الحقيقة أنها كانت تعشقه بكل ما تحمل الكلمة من معاني ، كنت أنا أول المتحفظين علي هذه الكلمه فيما سبق، إلى أن جاءتني اليوم، وكانت في حالة هستيرية بين الفرح والحزن، بين البكاء والضحك، حاولت أن أهدئ من روعها حتى أنني عرضت عليها مهدئ، لكنها اخبرتني أنها صائمة لتدعو لنفسها ولمن تحب لعل الله يتقبل منها ويحفظه ويحميه ويحقق اماله، وكانت في حالة هذيان تتخبط في مشاعرها لا تعرف ماذا تقول أو ماذا تفعل، وعرفت أن السبب هو اتصال تليفوني ممن تحب، يسأل عنها اخيراً بعدما مرت العديد من الأيام الطوال التي لم تشرق فيها الشمس ولم يعرف جسدها دفئ أشعتها، بعدما اقتنعت أنه نسيها، بل ظنت أنه لم يتذكرها أصلا وكانه وهم عاشت فيه وبه وله، فغمرتها السعادة حتى كادت تجن من فرطها، ولكن عندما وجدت كلماته بارده خالية من حرارة الشوق تعبر عن تأنيب الضمير، ادركت ان اتصاله بحثاً عن راحه البال، لترتمي في بحر من الاحزان، وتتحول مشاعرها بين السعادة والالم والشقاء والحرمان فباتت تضحك تاره وتبكي أخري، وتقول تذكرني اخيراً، يشعر بي، لا يحبني، يطلب العفو، يحتاج صداقتي، الا يعرف أن من يحب يعفوا؛ يغفر؛ يسامح، أنه فقط يسعد بذكرى جميله عاشها ملكت عليه كيانه، ويتألم للفراق ويذوق مرارة الشوق التي ترمي به بين الشطأن، يالهول ذلك الحب اللعين، الذي يدخل حياتك ليغيرها ويملئها أمل وسعادة، ثم تأتي قسوة الطرف الاخر لترمي به خارج حدود الحياة، وتخبره أنه انتهى، ويجب أن يستسلم وينتظر الموت، ويصور له قلبه القاسي أنه اراحه عندما سرق منه روحه، وتركه جسداً بلا روح، نهاراً بلا شمس، ليلاً بلا نهار، حاولت أن اهدئها واخبرها أنه يحبها ويشعر بالذنب اتجاهها، ويتعذب من أجل فراقها، لكنه أقوى منها هو أثر التضحية بها وبحبه من أجل اسعاد من حوله، والدليل انه سمع صراخ قلبها الجريح عبر سكون الليل، حاولت أن اقنعها أنه يطلب منها أن تعود للحياة، وان تهب من ذلك الفراش اللعين الذي تهرب فيه من طول يومها ومن هول الانتظار ومن أسئلة المحيطين بها، فهو يطلب منها المواجهة لا الاستسلام، أنه يشتاق لصوتك الدافئ الممزوج بالحياة؛ ويملئه الامل والحماس، يحتاج لمعرفة أخبارك التي تشرق عليه لتملئ حياته دفئ، نعم انه يحبك ولا يرضي عنكي بديل، ولكنها تعود للهذيان، تتوه من عالماً لتبحر في بحر من الشوق وتحدثني عن عينيه التي تملئها القوة ويديه التي بها حنان الكون كله، وضعفها ورغبتها في الحماية من نفسها ومن العالم القاسي الئي لم تجد فيه رحمه أو شفقه. ويحك أبتها المرأة، كيف احببتي كل هذا الحب؟ وهل يستحق كل هذه المشاعر؟ هل يشعر بكي فعلا ويعرف الألم الذي تعانيه؟ وإلى متي ستقومين بتسديد هذه الفاتورة الباهظة، لتلك المشاعر النبيلة التي وهبك الله إياها، ولكن بعد فوات الأوان، وهنا تتزاحم الأسئلة وتتلعب برأسي هل للحب ميعاد، وهل للحياة وقت، هل يجب الاستسلام وانتظار الموت في سن معين، ام نعيش بلا حياه، وهل كل العيون الحزينة الزابلة التي اقابلها هي نفوس فاقدة للحياة، رغم انها تتحرك، وتتكلم، ربي انه عذاب النفس الذي يفوق الألم الجسد بالألف المرات، ربي انت اعلم بهم وبحالهم، فأسالك اللهم بكل اسم سميت به نفسك اعلمه أو استأثرت به في علم الغيب، أن تعفو عنهم، اللهم انك عفوا كريما تحب العفو فعفوا عنهم، وارحمهم أنت ارحم الراحمين، واملئ قلوبهم بحبك وحب ما تحب يا رب العالمين

Related posts